تحليل الرؤية الاستراتيجية للدولة: قراءة تحليلية في المسار والطموح

تاريخ النشر - 2025-05-06

مقدمة

في ظل التحولات العالمية الكبرى التي يشهدها العالم سياسيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا، أصبحت الدول مجبرة على إعادة النظر في أنماط التخطيط التقليدية، وتبني رؤى استراتيجية طويلة الأمد تضمن الاستدامة والتماسك والتقدم. تأتي الرؤية الاستراتيجية للدولة كأداة استشرافية تسعى إلى بلورة تصور شامل لمستقبل الدولة، وتحديد سبل التفاعل الإيجابي مع التحديات والفرص التي يفرضها السياق الداخلي والدولي.

 

أولًا: المفهوم والمنطلقات النظرية للرؤية الاستراتيجية

تعتمد الرؤية الاستراتيجية على تحليل معمق للسياق الوطني والجهوي والدولي، وهي وثيقة تخطيطية تسعى إلى:

  • تحديد الأولويات التنموية.
  • رسم الأهداف الكبرى للدولة في أفق زمني محدد.
  • تيسير اتخاذ القرار الاستراتيجي.
  • توفير إطار للتنسيق بين السياسات القطاعية.

يستلهم هذا النهج من الفكر الاستراتيجي الحديث الذي يركز على الاستباق بدلًا من رد الفعل، وعلى التكامل بدلًا من التجزئة، وعلى الحوكمة التشاركية بدلًا من البيروقراطية العمودية.

 

ثانيًا: المحاور الأساسية للرؤية الاستراتيجية

يقوم تحليل الرؤية على جملة من المحاور الجوهرية، أبرزها:

  1. المحور الاقتصادي: يركز على خلق نمو اقتصادي متوازن وشامل من خلال دعم الاستثمار، الابتكار، وتنويع مصادر الدخل.
  2. المحور الاجتماعي: يستهدف تعزيز التماسك الاجتماعي وتحسين جودة حياة المواطنين عبر دعم الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
  3. المحور البيئي: يتعلّق بتكريس مبادئ التنمية المستدامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، ومواجهة التغير المناخي.
  4. المحور المؤسساتي والإداري: يهدف إلى بناء مؤسسات حديثة وفعالة، ترتكز على الشفافية، والكفاءة، والرقمنة.

 

ثالثًا: منهجية إعداد وتنفيذ الرؤية

اعتمدت الدولة على مقاربة تشاركية شملت مختلف الفاعلين: القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدني، الخبراء والأكاديميين.

وقد تم إعداد الرؤية من خلال مراحل متعددة شملت:

  • مرحلة التشخيص الاستراتيجي (تحليل الواقع والإكراهات).
  • مرحلة صياغة الرؤية والأهداف بعيدة المدى.
  • مرحلة تحديد البرامج والمشاريع ذات الأولوية.
  • ثم وضع آليات للتنفيذ والتتبع والتقييم.

 

رابعًا: التحديات التي تعيق تنفيذ الرؤية

رغم الجهود المبذولة، فإن تنفيذ الرؤية الاستراتيجية يصطدم بعدة إكراهات، من أبرزها:

  • ضعف التنسيق بين المؤسسات والقطاعات.
  • البطء في تنزيل الإصلاحات الإدارية.
  • محدودية الموارد المالية والبشرية.
  • التفاوت المجالي وعدم عدالة توزيع الاستثمارات.
  • ضعف المشاركة المجتمعية وغياب ثقافة التقييم.

 

خامسًا: آليات التتبع والتقييم

لضمان حسن التنفيذ، تم اقتراح آليات فعالة للتتبع والتقييم، تشمل:

  • اعتماد مؤشرات كمية ونوعية دقيقة.
  • إصدار تقارير دورية لمتابعة الإنجاز.
  • تفعيل أدوات رقمية للتقييم اللحظي.
  • ربط الأداء بالتمويلات العمومية.
  • إشراك المواطنين والمجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الرؤية.

 

سادسًا: الدروس المستخلصة والتوصيات

من خلال تحليل التجربة، تم استخلاص مجموعة من التوصيات الأساسية، أبرزها:

  • ضرورة التكامل بين التخطيط الاستراتيجي والاستشراف.
  • الاستثمار في تنمية الرأسمال البشري وتعزيز القدرات الوطنية.
  • تشجيع الابتكار كرافعة للتنمية.
  • تعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية.
  • الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة وتكييفها مع السياق الوطني.

 

خاتمة

الرؤية الاستراتيجية للدولة ليست مجرد وثيقة تقنية، بل هي أداة توجيهية تروم إعادة تشكيل مسار التنمية وفق منظور جديد يضع المواطن في قلب العملية التنموية. نجاحها يظل رهينًا بالإرادة السياسية والمجتمعية، وباعتماد حكامة رشيدة تضمن التنفيذ الفعلي والتقييم المستمر.

حسن مصطفى العكل

عضو أمانة عامة في تيار سورية الجديدة