شباب اليوم... صُنّاع الغد: لماذا الانخراط السياسي ضرورة لا خيار؟

تاريخ النشر - 2025-06-16

بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد وقمع فئة الشباب ومنعهم من التعبير عن أنفسهم، نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لإطلاق تلك الطاقات الكامنة. فهذه الفئة العمرية تملك القدرة على صناعة الفارق، وقيادة المجتمع، والتأثير فيه بعمق. لكن ذلك لن يكون ممكنًا ما لم يُؤمن بهم، ويُمنحوا الفرص والأدوات التي تمكّنهم من الانطلاق.
حين نتحدث اليوم عن بناء سورية الجديدة، فإننا في الحقيقة نتحدث عن بناء أيامنا القادمة نحن، فكيف لنا أن نُقصي أنفسنا عن صياغة الغد الذي سنعيشه؟
أما عن انخراطنا في العمل السياسي والشأن العام، فثمة معوقات فكرية تراكمت بفعل حكم آل الأسد، الأب والابن على حد سواء. فقد عمل هذا النظام المجرم، وعلى مدى عقود، على تشويه صورة العمل السياسي في أذهان السوريين، حتى باتت عبارات مثل "السياسة نجاسة" تُردَّد كأنها حقائق. وانطبعت في أذهان الكثيرين فكرة أن كل من يقترب من الشأن العام أو ينخرط في السياسة، إنما يفعل ذلك بدافع الفساد أو لتحقيق مصلحة شخصية.
للأسف، ورغم تحرر البلاد من أبشع نظام حكم عرفته سورية، لا يزال أمامنا الكثير لتجاوز تلك الرواسب الفكرية التي خلفها النظام المجرم.
خرجنا لتونا من هذا الظلام، ونحن بأمسّ الحاجة إلى وعي وتنظيم. وهنا يأتي دور من سبقونا، أولئك الذين نثق بهم، لنحاورهم ونتعلم منهم ونناقشهم. فبرأيي، الانخراط العملي في العمل السياسي هو أفضل وسيلة لاكتساب المهارات السياسية (إن صح التعبير)
ولعل من أبلغ النماذج التي تدعم فكرة تمكين الشباب وثقة القادة بهم، ما ورد في السيرة النبوية من موقف رسول الله ﷺ حين عيّن أسامة بن زيد، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، قائدًا لجيش يضم كبار الصحابة، كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. لم يكن هذا القرار رمزيًا، بل رسالة واضحة أن الكفاءة لا تُقاس بالعمر، وأن الشباب إذا مُنحوا الثقة قادرون على حمل المسؤوليات الكبرى.
بعد أن كُفّر بهم وبطاقاتهم، واستهزئ بأفكارهم، وعُمل بشكل ممنهج على تسخيف عقولهم، ليس فقط عبر تهميشهم، بل أيضًا من خلال دعم بعض "المؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يتبنون التفاهة والسطحية كوسيلة لإشغال العقول.
ولن نتغافل هنا - وإن تحفظنا - عن الدور الذي لعبه بعض من يُفترض أنهم علماء دين، ممن تعاونوا مع النظام المجرم وساهموا في تكريس نموذج الإنسان الخاضع، الراضي بالذل، الرافض للتفكير أو المبادرة.
كل ذلك جعل من عملية استعادة الثقة بالذات لدى الشباب مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة، تبدأ بالاعتراف بما فُرض عليهم من تهميش، وتنتهي باستعادتهم لموقعهم الطبيعي كفاعلين أساسيين في صياغة المصير.
ونحن في "تيار سورية الجديدة"، نعتبر التوعية السياسية واحدة من أهم أولوياتنا في المرحلة الانتقالية، حتى نصل بعدها إلى مجتمع واعٍ قادر على اختيار من يمثله بصدق، في انتخابات حرة، بعيدًا عن العاطفة والشعارات الفارغة.
أعود هنا إلى جوهر المقال: أهمية انخراط الشباب في الفعل السياسي، كيف يمكن للتغيير الذي ننشده أن يتحقق دون مشاركتنا؟ لا يجوز أن يُفرض التغيير من الأعلى وبقوالب جاهزة، بل لكل منّا الحق في أن يبحث عن التيار أو الحزب الذي يمثله أو يتوافق مع أفكاره، وينضم إليه.
وهنا يظهر دور الدولة والمجتمع: في تشجيعنا، دعم مبادراتنا، وخلق مساحة آمنة للتعبير عن أنفسنا. وذلك يتطلب أيضًا توفير التدريب السياسي ووضعنا على الطريق الصحيح دون إقصاء أو فرض آراء مسبقة.
نحن جيل لا يقبل التسلط، ولا يُقنعه الإجبار، بل ينفتح على النصيحة حين تأتي من قلب محبّ. ولهذا، أؤكد من جديد: سارع إلى البحث عمّن يشبهك فكرًا ورؤية، وانضم إليه. وإن لم ترغب بالانتماء لجهة معينة، فهذا حقك. لكن من واجبك أن تمتلك حدًّا أدنى من الوعي والمسؤولية تجاه الشأن العام.
إن بناء المستقبل ليس مهمة مؤجلة، ولا مهمة تقع على عاتق "الآخرين" فحسب. نحن، كشباب، لسنا مجرد مشاهدين، بل نحن صُنّاع المرحلة القادمة، بكل ما فيها من تحديات وآمال.
لا نملك ترف الانتظار حتى "تنضج الظروف"، بل علينا أن نكون جزءًا من تشكيلها. فلتكن خطواتنا الأولى في الانخراط والعمل والمبادرة، حتى ننتقل من موقع الشكوى إلى موقع التأثير.
السياسة ليست نقيض الطهارة، بل وسيلة لتجسيد القيم حين يُمارسها أناس نزيهون. فليكن انخراطنا امتدادًا لأحلامنا، لا تنازلًا عنها.
لننخرط، نشارك، نبادر... فالمستقبل يبدأ بنا، لا بغيرنا.


هامش للتوضيح:
هذا المقال لا يُمثّل دعوة للانضمام إلى "تيار سورية الجديدة"، بل يُكتب فقط بهدف تشجيع أبناء جيلي على التفكير والانخراط الواعي في الشأن العام، بغض النظر عن الجهة أو الاتجاه الذي يختارونه

 

أسامة ليموني

عضو في تيار سورية الجديدة