رحلة في عقل مستبد
يمتلك المستبد طموحاً كبيراً وثقة عالية بالنفس وشجاعة تحمله على الإقدام على خطوات لا يجرؤ عليها الآخرون لذلك يتقدم عليهم
وهو لا يتورع عن سفك الدماء وإيذاء الآخرين لأنه يحكم الناس بالخوف وبالتالي هو يثير فيهم أكبر قدر من الخوف على حياتهم وسلامتهم
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الآخرون ما يُنزله المستبد بخصومه من قتل وسجن وتعذيب إجراماً وظلماً فإنه يبرر لنفسه ما يقوم به بأنه عمل مشروع لخدمة قضية أخلاقية دينية أو وطنية وبالتالي يعتبر إجرامه قوةً واقتداراً ودليلاً على أنه أكفأ من غيره وأجدر بالسلطة والحكم
ولأنه لا يستطيع أن يقوم بأعمال الحكم لوحده يحتاج المستبد إلى فريق، فريق من ذلك النوع من الرجال الذين يقبلون أن يكونوا أداة طيعة بيده لا يقولون له (لا) ويمر تشكيل الفريق بمراحل متتابعة يختبر فيه المستبد ولاء أعضاء الفريق له وفي هذه المراحل يفقد حريته أو حياته من لا ينجح في هذا الاختبار ويصبح عبرة لغيره فتزداد الحلقة المحيطة بالمستبد ولاء أعمى له وتبعية مطلقة لشخصه
يصنع المستبد عصبته من نوعين من الرجال، صغار نفوس وعباد شهوات يعلم أنهم صغار نفوس وعباد شهوات لكنه يحتاج إليهم، وآخرون مخدوعون مغرّر بهم يبررون لأنفسهم ولاءهم للمستبد بخدمة قضية أخلاقية دينية أو وطنية وهو ذات المبرر الذي يتخذه المستبد للبطش بالآخرين
ينتشي المستبد بأناه المتورمة وتسكره شهوة السلطة المطلقة وتنتفخ ذاته المريضة باستمرار دافعة إياه إلى مزيد من التحكم والتسلط، ولأن الغاية عنده تبرر الوسيلة يتحالف المستبد مع أي جهة تضمن له استمرار سلطته وتوسيعها وهو لا يبالي إن كانت هذه التحالفات على حساب مصلحة الشعب أو فيها انتهاك لمبادئ أخلاقية فما يهمه السلطة فقط
يدرك المستبد أن الطريقة التي يحكم بها قد تؤدي إلى انهيار الأمور بعد ذهابه لكنه لا يبالي فهمه الوحيد مصلحته الشخصية واستمرار نشوة الحكم المطلق التي تسري في عروقه حتى آخر لحظة في حياته ولو كان من بعده خراب البلاد والعباد بل تحدثه نفسه المريضة بأن الخراب الذي سيأتي من بعده سيكون دليلاً على أنه القائد المعجزة الذي ضاعت الأمة برحيله
يعمل المستبد بشكل منهجي على إفقاد الناس ثقتهم بأنفسهم فيحرم عليهم حرية التعبير والتنظيم التي من خلالها يبلورون أفكارهم ويبنون قواهم السياسية ويكتشفون قاداتهم فيسود التصحر الفكري والسياسي والقيادي في المجتمع ثم يقف المستبد بعدها في وسط الصحراء التي صنعها ببطشه ليقول: ألم أقل لكم أنكم قطيع شارد لا يُساق إلا بالعصا!
يعلم المستبد أن مجتمعاً يسوده الصدق والمروءة والشجاعة لن يقبل به لذلك يشتري الذمم ويشجع الفساد وينشر النفاق بجعله وسيلة لدفع الضرر وجلب النفع وهو يعزز في المجتمع صفات الخور والجبن والاستكانة بجعلها الطريق الوحيد للسلامة فيتعفن المجتمع أخلاقياً وتسوده السطحية واللامبالاة والاهتمام بالتوافه وكل ذلك في ظل شعارات أخلاقية براقة ذات طبيعة دينية أو وطنية يرفعها المستبد لتخدير ضمائر الناس ومساعدتهم على خداع أنفسهم