بيان بشأن الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية وجنوب تركيا

تاريخ النشر - 2023-02-18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بيان بشأن الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية وجنوب تركيا

 

بداية، نتوجه ببالغ الحزن والأسى بالتعازي لشعبنا السوري الحبيب في جميع أرجاء الوطن وفي المهجر، وكذلك للشعب التركي الشقيق. المصاب جلل والخسارة فادحة ولكن لا راد لقضاء الله، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره. نسأله سبحانه وتعالى أن يتغمدهم جميعاً في رحمته ويتقبلهم شهداء عنده، وأن يُلهم من تركوا خلفهم الصبر والسلوان ويؤتهم الأجر، ويخفف عنهم.

رغم أن الأولوية الآن هي إنقاذ من يمكن إنقاذه وإسعاف المصابين وتوفير احتياجات المتضررين والبدء بوضع خطة استجابة طارئة للأشهر القادمة وربما السنوات القادمة لتأمين حياة كريمة للسوريين في شمال غرب سورية وكامل الوطن، وكذلك للسوريين في جنوب تركيا، إلا أن هناك معركة سياسية متعددة الجبهات لا بد من أن نخوضها بالتوازي مع جهدنا هذا، لأن أعداءنا أطلقوا أول رصاصة فيها.

ما يجب التأكيد عليه أولاً، وما يجب أن يكون واضحاً في أذهان السوريين، هو أن الفشل الذريع للمجتمع الدولي في الاستجابة للكارثة الإنسانية التي تبعت الزلزال تتحمل مسؤوليتها الأمم المتحدة بشكل أساسي وشبه متعمد. لقد تذرعت الأمم المتحدة ودول كثيرة أخرى ب"فتيو" روسيا في مجلس الأمن لحصر دخول المساعدات إلى سورية من معبر باب الهوى حصراً وبكميات ضئيلة ومحدودة جداً لسنوات قبل وقوع الزلزال، وأصروا على نفس المنهج حتى بعد وقوع الزلزال، ولم تدخل أي مساعدات أممية خاصة بالاستجابة للزلزال حتى بعد مرور اكثر من ١٥٠ ساعة كانت هي نافذة الفرصة الوحيدة لإنقاذ مئات وربما آلاف السوريين الأحياء تحت الأنقاض والذين قضوا نحبهم بسبب تأخر المساعدات.

هذا الاستعصاء السياسي الذي رأس حربته "فيتو" روسيا، تم تمكينه من خلال غياب أي عمل جدي من قبل الدول الرئيسة المؤثرة في سورية على إيجاد آليات بديلة لإدخال ا لمساعدات إلى شمال غرب سورية وهو أمر يجيزه القانون الدولي بشكل واضح كما شرحته منظمات سورية كثيرة وكما طالبت به مجموعة من خبراء القانون الدولي غير السوريين، ولكن غابت الإرادة السياسية أو بالأحرى المصلحة السياسية، وغاب أيضا أي ضغط حقيقي من المعارضة السورية فيما برزت ظروف داخل شمال غرب سورية تشجع على عدم تقديم مساعدات للمنطقة على رأس هذه الظروف سيطرة تنظيم "هيئة تحرير الشام" المصنف.

إن انتظار الأمم المتحدة موافقة النظام على إدخال المساعدات عبر المعابر التي لا يسيطر عليها في الشمال السوري ثم الإشادة بهذه الموافقة يجعلها شريكة للنظام في التوظيف السياسي لهذه الكارثة من أجل تعويمه ومحاولة إعادة شرعيته.

ولكن ربما المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المعارضة السياسية: التي خلال سنوات تطبيق الفيتو الروسي الذي كانت تستعمله روسيا لابتزاز المجتمع الدولي والحصول على مكاسب لصالح النظام قامت بالمشاركة بكل المبادرات السياسية التي طرحها المبعوث الأممي مجاناً، ودون أي شروط ودون أي مقابل رغم إجماع السوريين على ضرر هذه المبادرات وعقمها. إن جزءاً كبيراً من كارثة السوريين الإغاثية تتحمل مسؤوليتها قيادات المعارضة التي سمحت بخلق بيئة وإطار عمل يمنع دخول هذه المساعدات قبل وقوع الزلزال دون أي مقاومة حقيقية وفعالة.

لقد بدأ النظام بحملة مسعورة لمحاولة إعادة تعويمه، وهناك استجابات محدودة لهذا الأمر لأن العنصر الإنساني يختلط في هذه الظروف مع العنصر السياسي، ولكن يجب أن نكون واعين لهذا الأمر. النظام فعلاً انتهى، وبعض القيود التي ترفع عنه هي إنما لمنع انهياره الكامل، ولو كانت المعارضة قد شكلت بديلاً منطقياً واقعياً للنظام لانتهى من فترة، بل إننا نزعم أن العامل الرئيسي الذي يفصل بين النظام وسقوطه هو قيام بديل له، وهذا مسؤوليتنا جميعاً على الرغم من ظروفنا الصعبة.

ما يجب أن يعيه السوريون الأحرار في شمال غرب سورية وفي سائر بلادنا الحبيبة، هؤلاء الذي يحملون قيم الثورة ومبادئها والذين قدموا الغالي والنفيس -ومازالوا- من أجل أن يعيشوا الحياة التي اختاروها لأنفسهم أنهم ضحية سياسات تمييزية مقيتة اتبعتها أطراف دولية، ولو أن هذه الكوارث التي حلت بهم حلت بغيرهم لرأينا ردة فعل مختلفة، ولكن الحرية والكرامة لهم ثمن، وهذا الثمن أغلى عندما تكون سورياً ثائراً تدافع عن هوية البلد واستقلالها ومستقبلها.

يجب أن يتكاتف السوريون بمختلف منظماتهم وأجسامهم، وفي جميع أماكن تواجدهم لمنع أي تعويم للنظام، وللدفع بتقديم كامل المساعدات إلى السوريين المتضررين بشكل مباشر وليس عن طريق النظام، ويجب استعمال كل شبكات التأثير المتوفرة عند السوريين في كل مكان لوضع خطط استجابة مستعجلة وإعادة إعمار في شمال غرب سورية تمنع أي عملية تهجير قسري جديد، أو تؤدي  إلى المزيد من المصائب والتفكك للمجتمع السوري.

ستواجهنا في الأسابيع والأشهر القادمة أياًما صعبة، ولكننا على ثقة مطلقة بهذا الشعب وقدرته على أن ينهض من جديد. إن هذه الظروف التاريخية التي نمر فيها منذ ٢٠١١ والتي لو واجهها أي شعب اخر لانهار ورضخ، هذه الظروف ستخلق جيلاً جديداً وتصقل هويته وشخصيته ليكون قادراً على تغيير تاريخ سورية والمنطقة، والنهوض بدولة جديدة لجميع السوريين تتمثل فيها قيم الثورة والحرية والعدالة. على السوري الثائر في كل مكان ولاسيما في شمال غرب سورية أن يشعر بالاعتزاز والفخر بمن هو وما حققه، وأن يعلم يقيناً أن ما بعد هذه المحنة الرهيبة إلا الفرج باذن الله.