موقف تيار سورية الجديدة من الإدارة الذاتية

تاريخ النشر - 2022-12-11

الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا

ورقة موقف

نظرة عامة عن الحراك السياسي الكردي في سوريا منذ ٢٠١١

مع بدء الدعوات للتظاهر في شباط ٢٠١١ عقد المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي اجتماعاً استثنائياً دعا فيه رأس النظام السوري، بشار الأسد، "لإزالة حالة الاحتقان في الشارع السوري من خلال جملة من الإجراءات تقود لبناء دولة ديمقراطية" مع دعوات ضمنية للشارع الكردي بعدم الاستجابة لدعوات التظاهر و"عدم الانسياق وراء الإعلام غير المسؤول." إجمالاً تجنبت كل الأحزاب الكردية البدء بالاحتجاجات. وقد ترافق ذلك، على عكس العادة، مع تجنب الأحزاب الكردية تعبئة أنصارها إيديولوجياً أو رفع شعارات معادية للنظام في إحياء ذكرى أحداث القامشلي في ١٢ آذار ٢٠١١. ردّ النظام بإعطاء هذه الأحزاب تسهيلات لإقامة احتفالات عيد النيروز في ٢١ آذار من ذات العام، وتخصيص ساحة الأمويين في دمشق لهم وتغطية الحدث إعلامياً لأول مرة.

رغم ذلك، سجل للشباب الأكراد مشاركتهم في الحراك الثوري في ١ نيسان ٢٠١١ في مدينتي عامودا وعين العرب بعد خطاب بشار الأسد الأول. وتميزت هذه الاحتجاجات بغياب مشاركة الأحزاب الكردية وغياب أي مطالب قومية أو انفصالية. تجنب النظام الرد العنيف على هذه المظاهرات، بل وعلى العكس، قام بمحاولة احتوائها من خلال إصدار قرار في ٥ نيسان ٢٠١١ تجنيس الأكراد في شمال شرقي سورية ممن كانوا مسجلين كأجانب في السجلات السورية، و قراراً آخر يتم بموجبه نقل ملكية الأراضي في في 5 و7 نيسان 2011. ولم يتم تسجيل أي حالة قتل لمتظاهرين أكراد حتى اغتيال مشعل تمو قائد تيار المستقبل "الانفصالي" في تشرين الأول ٢٠١١.

استطاعت الأحزاب الكردية المنظمة وذات القاعدة الشعبية، وخصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي، تحييد الأكراد عن مظاهرات الثورة السورية وبقيت التظاهرات محصورة بشباب التنسيقيات غير المسيسيين، بالإضافة لشباب تيار المستقبل وشباب حزب يكيتي، وهذا ما يفسر العدد المحدود لأعداد المتظاهرين (بضعة مئات وبضعة آلاف أحيانا) مقارنة بأعداد المتظاهرين في المناسبات الكردية الخالصة مثل تشييع مشعل تمو الذي خرج فيه مئة ألف شخص، وذكرى أحداث القامشلي في آذار 2012 التي شارك فيها حوالي مئتي ألف شخص.

تبنت الأحزاب الكردية موقفا يدعو إلى تغيير النظام وليس إسقاطه وذلك للأسباب التالية:

● قرأت الأحزاب الكردية المواقف الدولية بشكل أفضل بكثير من قراءة المعارضة السورية حيث كان الموقف الأمريكي ضبابياً من مصير النظام السوري ومستقبل سوريا في مقابل مواقف الصين وروسيا الواضحة في هذا الشأن.

● خبرة الأحزاب الكردية مع النظام في 2004 علمتهم أن إسقاط النظام ليس بالسهولة التي يروج لها المعارضون البعيدون عن ساحة العمل السورية، وأنه من الأفضل تجنب المواجهة المسلحة ودفع كلفة عالية لإسقاطه، والضغط للحصول على أكبر مكاسب سياسية ممكنة.

● الخوف من التدخل الخارجي نظراً للدور التركي الواضح في دعم الثورة السورية.

● حساسية الوضع الكردي والخشية من تلاعب النظام على وتر الحزازات الأهلية في منطقة الجزيرة التي تحوي عشائر عربية قد تتحرك ضد أي تحرك كردي.

ولعل هذه الأسباب هي التي جعلت الأحزاب الكردية متوافقة مع السقف السياسي لهيئة التنسيق الوطنية ومبتعدة عن متطلبات شباب التنسيقيات الكردية باستثناء تيار المستقبل الذي انسحب من أي تشكيل كردي حزبي ودعا لاسقاط النظام في مقاربة إيديولوجية لأهمية إسقاط النظام من أجل تحقيق حلم كردستان الكبرى على الرغم من تطوير الحزب لخطاب وطني خارج برنامجه السياسي لاستقطاب أكبر عدد من الشباب الكردي الثائر. ننطلق من تفسيرنا هذا من الممارسات العملية لتيار المستقبل الذي انسحب من مؤتمر الإنقاذ الذي دعا إليه هيثم المالح وعماد الدين الرشيد في تموز ٢٠١١ بسبب عدم استجابة المؤتمِرين لإسقاط كلمة العربية من اسم الجمهورية العربية السورية وعدم الاعتراف بحقوق "الشعب الكردي،" فسنّ مشعل تمو سنة انسحاب الأحزاب الكردية من مؤتمرات المعارضة التي أصبحت لاحقاً فلكلوراً كردياً بامتياز.

تم تشكيل هيئة التنسيق الوطنية في حزيران ٢٠١١ وضمت ٥ أحزاب كردية واعتذرت الأحزاب الكردية المشاركة في إعلان دمشق عن الانضمام، كما ضمت اللجنة التنفيذية للهيئة ٣ شخصيات كردية بينهم صالح مسلم، وبقيت بعض الأحزاب خارج الهيئة وخارج إعلان دمشق ساعية لبناء تجمع كردي معارض يتحدث باسم الأكراد كقومية. إن السقف السياسي المنخفض لهيئة التنسيق هو السبب الرئيسي الذي جعل حزب الاتحاد الديمقراطي ينضم لها ليبقى ضمن تكتلات المعارضة دون الانقطاع عن النظام الحاكم بحكم العلاقة التاريخية الوطيدة معه منذ ثمانينات القرن الماضي في الوقت الذي بدأت فيه باقي الأحزاب الكردية بالانسحاب من هيئة التنسيق ابتداءاً من شهر آب ٢٠١١ عندما أعلنت الهيئة أن "سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي".

تم تأسيس المجلس الوطني السوري في بداية تشرين الأول ٢٠١١ كهيئة معارضة جامعة لكن هيئة التنسيق والأحزاب الكردية رفضت الانضمام نظراً لسقف المعارضة العالي المتمثل بإسقاط النظام ودعم الجيش الحر والدور الخارجي وخصوصاً تركيا في إدارة الثورة. بالمقابل، وبعد وضوح الموقف الأمريكي في منتصف آب ٢٠١١ وبعد اغتيال مشعل تمو وقنص الناشط حسين عبد الله بدأت الأحزاب الكردية المشاركة في هيئة التنسيق بالانسحاب وبدأت محادثات مع باقي الأحزاب الكردية لتأطير نفسها في كيان سياسي للسيطرة على الشارع الكردي واحتوائه وتبني شعارات إيديولوجية بدل الشعارات الثورية وهذا ما تم في "المؤتمر الوطني الكردي" في نهاية تشرين الأول ٢٠١١ في مدينة القامشلي. ويعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي وتيار المستقبل وحزب البارتي والتنسيقيات المنادية بإسقاط النظام من أبرز المقاطعين له. تضمن بيان المؤتمر الوطني الكردي شعارات كردية قومية تحدثت عن عيش "الشعب الكردي على أرضه التاريخية" وهو ما قدم الأحزاب الكردية لأول مرة كأحزاب قومية معارضة بشكل مغاير لما كانت عليه في إعلان دمشق وفي هيئة التنسيق على أنها أحزاب معارضة سورية. كما بدأت بتهيئة نفسها عسكرياً من خلال رفضها الانخراط في تشكيلات الجيش الحر المدعوم تركياً، وتدريب المجندين والمتطوعين في إقليم شمال العراق بدعم مباشر من البرزاني استعدادا منها لاستلام إدارة المناطق الكردية الشمالية الشرقية في الحسكة والقامشلي وعفرين. في الوقت ذاته استمر التنسيق بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني والذي مكّن قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة لاحقاً على إدارة عفرين والمناطق الكردية المحررة في حلب.

استمر الحراك السلمي والمسلح الكردي بالتوسع ضد النظام السوري ولكن بدأت الفجوة بالاتساع بين مطالب الثورة السورية وبين مطالب الأحزاب الكردية لاختلاف الرؤية النهائية للجانبين خصوصا مع التصعيد الشوفيني لكتاب ومثقفين أكراد، فبدأنا نسمع مصطلحات "كردستان الغربية" و"قطعان المستوطنين العرب" وغيرها من المصطلحات الإيديولوجية الغريبة. إن طرح النخب السياسية الكردية "السورية" لهذه المصطلحات وهم اللاجئون حديثاً من تركيا مثل عبد الباسط سيدا ومن قبله عثمان صبري باعتبارها "بديهية تاريخية" يعتبر تطرفاً خطيراً وخطيئة سياسية تاريخية لا تغتفر. حتى "خويبون" كانت تُخرج المناطق التي هاجر إليها الأكراد في سورية من حدود كردستان، وكانت تعد سكانها من عدد الأكراد الذين يقطنون خارجها مثل أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، وفي محاضرة للأمير كاميران بدرخان في لندن عام ١٩٤٩ أمام الجمعية الآسيوية قال "إن ثلاث دول استولت على أرض كردستان والشعب الكردي وهي مقسمة بين إيران - تركيا - العراق" أما ما طرحه عبد الباسط سيدا في كتابه المسألة الكردية في سورية على أن منطقة الجزيرة بأكملها لم تكن داخلة في حدود سورية الطبيعية وكانت تابعة لولاية الموصل هو مغالطة تاريخية يتناقض فيها مع جميع علماء الجغرافيا.

نتيجة لهذه التطورات تبنى المجلس الوطني الكردي شعار إسقاط النظام لأول مرة في جمعة طرد السفراء وانفتح قادة الأحزاب الكردية على الشباب الثائر فخرجت مظاهرات كردية تحت شعار "المجلس الوطني الكردي يمثلني" معلنة بذلك إنهاء حالة الانقسام في التظاهرات الكردية وإعلان نقطة البداية لانضمام التنسيقيات الشبابية للمؤتمر الوطني الكردي (إعلاميا المجلس الوطني الكردي) والذي أصبح منافساً بالحجم والتأثير لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الشارع الكردي وعنواناً سياسياً بارزاً في المعادلة السورية.

بالمقابل، شكّل حزب الإتحاد الديمقراطي في نهاية ٢٠١١ ما سمي ب "مجلس غرب كردستان" ليشكل جسداً سياسياً منافساً للمجلس الوطني الكردي، وفي نهاية عام ٢٠١٢ أعلن عن قيام "الإدارة الذاتية" بشكل أحادي ممهداً لتشكيل الفدرالية التي رفضها المجلس الوطني الكردي على الرغم من تمسكه بمفهومها، أي الفدرالية، ولكن بحسب فلسفته المغايرة لفلسفة حزب الاتحاد الديمقراطي. يرى المجلس الوطني الكردي الفدرالية كحل يتيح للأكرد الحصول على حقوقهم في الأقاليم التي يشكلون فيها أغلبية سكانية، بينما يرى حزب الاتحاد الديمقراطي أن الفدرالية الكردية تشمل جميع الجغرافية الشمالية لسوريا من الحسكة في الشرق لعفرين في الغرب، رغم وجود مناطق عربية صرفة، ويبررها مناصروه بأنها فرصة لجمع جميع المكونات في هذه المنطقة الجغرافية وأن يتم تمثيلها في الوحدات الادارية والأجسام السياسية والعسكرية بحسب تعدادها ونسبتها وهذا ما يدّعي فعله عملياً في التشكيل العسكري الأبرز"قوات سوريا الديمقراطية" الذي يضم مكونات غير كردية.

دعمت حكومة أربيل المجلس الوطني الكردي مكرسة حالة الاستقطاب الكردي البرزاني – الأوجلاني وساهمت في توقيع الطرفين، المجلس الوطني الكردي وميليشيات صالح مسلم، على مذكرة تفاهم لمنع تحول النزاعات لاشتباكات عنيفة، وساعدت اتصالاتها في انضمام باقي الأحزاب الكردية وأكبر التنسيقيات الشبابية، اتحاد تنسيقيات الشباب الكرد و 17 تنسيقية أخرى، للمجلس الوطني الكردي.

أصدر المجلس الوطني السوري في كانون الأول ٢٠١١ مبادئ عدة تتعلق بالقضية الكردية في محاولة جديدة منه لاستمالة المعارضة الكردية، أبرزها الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية، وكما فعلت الأحزاب الكردية مع وثيقة الإخوان المسلمين سابقا، أبدت إيجابية إعلامية في مقابل رفضها العملي للتحالف مع المجلس واستكملت تأطير نفسها. كما فشلت محاولات الدول القائمة على مؤتمر أصدقاء سوريا ومن ثم الجامعة العربية من تغيير رأي المجلس الكردي واستمرت الأحزاب الكردية بفلكلور الانسحاب من أي مؤتمر سوري رافضة لأي مشاركة مع المعارضة السورية على الرغم من تخلي الأخيرة عن العروبة كهوية لسورية في وثيقة المجلس الوطني السوري لحل القضية الكردية بعد مؤتمر أصدقاء سورية الثاني.

اتبع النظام سياسة مغايرة بعد ذلك، حيث لم يعد يتواصل مع الأحزاب الكردية باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وهو مجموعة ماركسية تعمل من تركيا وقد صنفتها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على أنها منظمة إرهابية. يتمتع حزب الاتحاد الديمقراطي بشعبية مساوية لجميع الأحزاب المنضوية تحت لواء المجلس الوطني الكردي مما دفع المجلس الوطني الكردي لتبني خطاب سياسي موجه للمعارضة السورية فقط فتراجع قليلا عن مواقفه السابقة وأخفى مطالبته الصريحة باللامركزية السياسية.

سيطرت وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي على مساحات واسعة من الأرض السورية بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل الالتفاف على الاتهامات المباشرة بتمويل الإرهابيين بشكل مباشر، ساعدت الولايات المتحدة في إنشاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تجمع للقوات العسكرية المتعددة الأعراق التي تحالفت لمحاربة داعش. وفي حين تضم قسد العديد من المجموعات ذات الخلفيات العرقية المختلفة، فإن السكان المحليين يصفون هذه المجموعات بأنها "أفراد فاسدون يبيعون انتماءاتهم لمن يدفع أعلى سعر" ليكونوا بمثابة صورة للتمثيل ولا وزن فعلي لهم في مجتمعاتهم المحلية. وفي الواقع، لا تزال قسد تحت سيطرة أقوى مجموعة داخلها وهي وحدات حماية الشعب التي تعرضت لضغوط للاختباء وراء هذه القوة العسكرية الأكثر تنوعاً من قبل كبار الجنرالات العسكريين الذين أصدروا تعليمات لوحدات حماية الشعب بتغيير شعارها. تشمل أهداف وحدات حماية الشعب توسيع موطئ قدم لعناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا، وإنشاء ملاذ آمن للنشاط العسكري والسياسي الذي سيتم إطلاقه ضد تركيا من سوريا، بالإضافة إلى زيادة شرعية حزب العمال الكردستاني عالميًا، وتحسين مكانتها وقدرتها على المساومة السياسية في دمشق.

تغيرت المعطيات الدولية منذ منتصف ٢٠١٦ حيث دخلت قوات درع الفرات المدعومة تركياً للأراضي السورية، كما دعمت روسيا بشكل مكثف الجيش السوري في عملياته في دير الزور هادفة منها إيقاف تقدم قوات حماية الشعب عند حدود محافظة الرقة، ونعتقد أن هناك صفقة روسية أمريكية لإعادة تسليم الرقة للنظام السوري تزامناً مع إخفاق البرزاني في مشروع الاستفتاء الأخير. كل هذه المتغيرات قرأها النظام السوري جيداً فبعد أن رضخ للضغط الروسي وتفاوض مع الأكراد على شكل من أشكال الإدارة الذاتية بداية عام ٢٠١٧، غيّر من لهجته وهدد المتجهين للانفصال ب"المواجهة ومصير أسوأ من مصير إدارة إقليم كردستان العراق". في المقابل لم نسمع كثيراً عن أي موقف مهم لأي كيان سوري معارض نتيجة هذه المتغيرات.

هذه التطورات خفّضت من سقف طموحات الأحزاب الكردية فعادت الدعوات لمؤتمر سوري جامع ولمناقشة دستور يحقق المصالح المشتركة وللمشاركة الكردية الموحدة في المحافل الدولية لطلب ضمانات دستورية تحقق المطالب الكردية، كما بدأت أصوات التطمينات لعموم السوريين تُسمع بأن الفيدرالية أو اللامركزية السياسية هي ضمانة للوقوف في وجه مشاريع تقسيم سورية.

نشأة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا

على الرغم من رفض الولايات المتحدة لمشروع الفدرالية الذي طرحه الحزب في ٢٠١٦ من خلال تصريحها بأنها "لن تعترف بأي مناطق حكم ذاتي أو المناطق شبه المستقلة في سوريا" استمر الاستثمار في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي كقوة أرضية حليفة للولايات المتحدة، وأنشأت وحدات حماية الشعب هيئات حكم شبه مدنية للمساعدة في توطيد حكمها، وأطلقت على المناطق الخاضعة لسيطرتها اسم الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا (الإدارة الذاتية). ويدير مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) رسمياً الإدارة الذاتية ويعمل كهيئة تشريعية، ويهيمن حزب الاتحاد الديمقراطي على عملية صنع القرار فيه بشكل كامل.

يواجه الكثير من المسؤولين المنافسين لحزب الاتحاد الديمقراطي إما الاعتقال أو الترحيل أو أشكال أخرى من إبقاءهم صامتين. وفي حين أن الانتخابات البلدية وانتخابات المحافظات قد جرت، فقد تم تأجيل الانتخابات الإقليمية مراراً مما أدى إلى تعيين حزب الاتحاد الديمقراطي للبرلمانيين بدلاً عن ذلك. ويدير مسد العمليات اليومية للإدارة الذاتية، ولكن النظام السوري يحتفظ ببعض النفوذ الأمني فيها، بما في ذلك نقاط التفتيش الاستخباراتية على طول البلدات الحدودية. بالإضافة لكل تلك الدوائر، تعتبر الحركة من أجل سوريا الديمقراطية هي الائتلاف الحاكم داخل مسد، وحزب الاتحاد الديمقراطي هو أكبر حزب في هذا الائتلاف الحاكم. ومن خلال هذه الطبقات من أسماء الأحزاب وهياكل الحكم، تقوم وحدات حماية الشعب بتزيين سيطرتها الكاملة على الإدارة الذاتية.

على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يقدرون أن تكوين قسد منقسم نصفياً بين قوات عربية وقوات حماية الشعب الكردية، إلا أن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية قدرت في عام ٢٠٢٠ أن وحدات حماية الشعب الكردية تحتفظ بالسيطرة على مواقع القيادة وصنع القرار داخل المؤسسات التي تقودها قسد ومسد، وأكدت الوكالة "عدم الرغبة -لدى قسد- في تقاسم السلطة مع العرب، حتى في المناطق ذات الأغلبية العربية في الشمال الشرقي حيث يمثل المقاتلون العرب على الأرجح غالبية قوات الخطوط الأمامية لقوات سوريا الديمقراطية." وعلى الرغم من أن وحدات حماية الشعب قد وزعت السلطة اسمياً وتعرف عن نفسها ككيان يدعم الحكم اللامركزي، فإن غياب الشفافية وعدم قدرة المجتمعات المحلية على اختيار ممثليها، ومحدودية سلطة الهيئات المحلية لاتخاذ القرارات دون تدخل من مسؤولي وحدات حماية الشعب قد أضعف شرعية قسد والمتحالفين معها في شرق الفرات.

النقاط الإشكالية

1. الفساد وسوء الإدارة واحتكار الحكم

ينتشر الفساد وسوء الإدارة على نطاق واسع داخل هياكل الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى سيطرة مسؤولين غير منتخبين، وغير سوريين في بعض الأحيان، من كوادر حزب العمال الكردستاني على مفاصل الحكم في الإدارة الذاتية. ويتم تعيين كوادر الحزب رسمياً كمستشارين تقنيين، ولكنهم في الواقع يقومون بالسيطرة على مخصصات التمويل ويقدمون تقارير استخباراتية إلى الحزب المركزي، ولا تمر القرارات النهائية إلا من خلالهم. كما ترتبط بهم شبكة واسعة من التهريب والفساد والمحسوبية.

2. التوزيع غير المتكافئ للموارد

على الرغم من أن عقيدة حزب الاتحاد الديمقراطي النظرية هي الترحيب بالاقتصادات التعاونية اللامركزية إلا أن الإدارة الذاتية تفرض سيطرة متشددة على الحياة الاقتصادية. وتسيطر الإدارة الذاتية على الجزء الأكبر من إنتاج النفط في سوريا وقد أفادت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أن قوات سوريا الديمقراطية تنتج ما لا يقل عن ٦٠٠٠٠ برميل من النفط يوميًا، وتبيع جزءًا كبيرًا منه لنظام الأسد. كما يجني العديد من رجال الأعمال المحليين المرتبطين بوحدات حماية الشعب أرباحاً كبيرة من التجارة مع النظام. كما أن نظام الأسد لا يزال يدفع رواتب الآلاف من الموظفين مثل معلمي المدارس العاملين في مناطق الإدارة الذاتية. بينما يزال شرق دير الزور وريف الرقة يعانيان من الحصول على الخدمات العامة والسلع المدعومة مثل الوقود والخبز والكهرباء.

3. ضعف البنية الأمنية

إن الإدارة الذاتية معرضة لهجوم من قبل النظام، وهو أمر إن حدث لن تكون قادرةً على مقاومته. رغم ذلك فإن كلا الكيانين تربطهما علاقة عمل أمنية. وقد سمحت وحدات حماية الشعب لقوات نظام الأسد بالانتشار في منبج في عام ٢٠١٨ لإنشاء منطقة عازلة، كما سمحت للنظام والقوات الروسية بالوصول إلى الحدود في عام ٢٠١٩. بالإضافة لذلك فإن انتشار الفساد وضعف شرعية الإدارة الذاتية قد سمح لداعش بإعادة الانتشار والتغلغل في كثير من المناطق التي يفترض أنها قد حررت من داعش.

4. قمع الحريات السياسية والدينية والثقافية

رغم وجود عدد كبير من الأحزاب وتمثيلها في الإدارة الذاتية نظرياً، فقد تم قمع العديد من الأحزاب التي لم يوافق عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، إما من خلال اعتقال أعضائها أو إخفائهم قسراً وتعذيبهم. وقد أحرقت وحدات حماية الشعب مكاتب المجلس الوطني الكردي وألقت القبض على أعضائه قبل الانتخابات في الإدارة الذاتية. كما أدت الخلافات المستمرة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والطوائف المسيحية إلى إغلاق المدارس المسيحية في القامشلي والحسكة والمالكية، وتم اعتقال معلمين مسيحيين رفضوا تطبيق منهج حزب الاتحاد الديمقراطي، والذي يعتبرونه يروج لقومية كردية عرقية ودينية معينة. إن العرب، وعلى الرغم من أنهم الأغلبية السكانية في الإدارة الذاتية، قد عانوا من تهميش واسع النطاق من خلال التمييز العرقي، والتجنيد الإجباري، والاعتقالات التعسفية، وتدهور الظروف المعيشية.

5. زعزعة الأمن الإقليمي:

لقد هرعت الولايات المتحدة للعثور على شركاء على الأرض في سوريا للقيام بالقتال ضد داعش. وقد صقلت سنوات التمرد والإرهاب والتنظيم وحدات حماية الشعب المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني والتي عملت في جميع أنحاء سوريا وتركيا لعدة عقود. وفي حين اتخذت تركيا خطوات لاستيعاب هذه المخاوف الأمنية الأمريكية، بما في ذلك السماح للمقاتلين الأكراد في العراق بالعبور عبر تركيا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا واستضافة الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي في أنقرة لإجراء محادثات رسمية، فقد نفد صبر تركيا وخاصة بعد استئناف حزب العمال الكردستاني لهجماته في تركيا عام ٢٠١٥ بعد فترة من الهدوء.

رغم ذلك، لم تقطع قسد علاقاتها فعلياً مع منظمتها الأم حزب العمال الكردستاني، حيث يواصل حزب العمال الكردستاني شن هجمات إرهابية في تركيا وفي مناطق سيطرة المعارضة في سوريا، وفي المناطق التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان في العراق. ولذلك تنتقد تركيا بشدة حكم قسد ووجودها العسكري في شمال شرق سوريا، معتبرة قسد وفروعها المدنية امتداداً لجماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. وقد أدى ذلك إلى تفاقم بعض التوترات ما بين جماعات المعارضة السورية - المدعومة من تركيا والولايات المتحدة وشركاء آخرين - في شمال سوريا، وما بين الإدارة الذاتية المدعومة من الولايات المتحدة وشركاء آخرين في التحالف الدولي. وقد أدى ذلك إلى تفتيت النفوذ الكبير ضد نظام الأسد. في الوقت ذاته، وسّعت إيران من وجودها في شرق سوريا مستغلة ضعف الإدارة الذاتية وأقامت علاقات مع العشائر العربية على جانبي نهر الفرات في محاولة لجذب السكان المحليين لدعمها وعرض بدائل عن حكم قوات سوريا الديمقراطية بشكل يسمح لها بنقل الأفراد والأسلحة بسهولة أكبر إلى وكلاء آخرين في سوريا ولبنان، وإثارة التوترات الطائفية في بلاد الشام، وجعل الوصول إلى حل سياسي للصراع السوري أمراً أكثر صعوبة.

 

موقف التيار

الأكراد هم مواطنون سوريون، شركاء في ثورة العز والكرامة، لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات التي يقرها الدستور الدائم، ولهم الحرية في تشكيل الأحزاب والتجمعات السياسية وفقاً لقانون الأحزاب الذي ستصدره هيئة الحكم الانتقالي والذي ينبغي له أن يضمن لكافة المكونات السورية صيانة حقوقهم الثقافية واللغوية والتعليمية. كما ينبغي تصحيح ومراجعة كافة الاحصائيات والمسوحات السكانية والقرارات الإدارية المتعلقة بالكرد وذلك بناءً على لجنة حقوقية ومسحية يقرها البرلمان ويرفع توصياتها للحكومة لوضعها قيد التنفيذ.

الإدارة الذاتية مشروع سياسي بأدوات متعددة، يتعارض مع مبدأ وحدة سورية وسلامة أراضيها، استغل الحراك الثوري وتطوراته وتحولاته لفرض هندسته الخاصة إدارياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً على مساحات جغرافية واسعة، مطبقاً فكراً شمولياً استبدادياً في فرض سلطته . ويمارس كافة أنواع التسلط على الشرائح المجتمعية التي تقطن تلك المنطقة.

إن ارتباط الفئة الحاكمة في "الإدارة الذاتية" بحزب العمال الكردستاني المصنف ارهابياً وذو الخطاب الانفصالي هو ارتباط واضح ايديولوجياً وسياسياً، كما قامت بالعديد من الانتهاكات الإنسانية والعمليات التهجيرية، وبالتالي فإننا نعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي سلطة مارقة ومهدد أمني لوحدة الأراضي السورية. ولا نعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي ممثلاً سياسياً إلا عن نفسه، يدعي تمثيل كرد سورية في محاولة لخطفهم وتجنيدهم في مشروع عابر للوطنية ومهدد لأمن سورية وجوارها الإقليمي.

إن المقاومة الوطنية ضد مشروع الإدارة الذاتية لا يعني التعارض مع مبدأ اللامركزية الإدارية، وإنما هو رفض لإجراءات خطف الجغرافية السورية لصالح مشروع مهدد لأمن سورية وجوارها، وإدراك للأدوار المحلية في النظام السياسي والإداري للدولة ولكن ضمن نتائج الحوار الوطني وليس كفرض أمر واقع من طرف واحد.