موقف تيار سورية الجديدة من الملف الكردي

تاريخ النشر - 2022-12-12

موقف تيار سورية الجديدة من الملف الكردي

 

ورقة موقف

نظرة عامة

بعد إلغاء الأتراك لمعاهدة سيفر (١٩٢٠) وإرغام الدول الكبرى على استبدالها بمعاهدة لوزان (١٩٢٣) تحطم مشروعين أساسيين: مشروع الدولة الأرمنية ومشروع الكيان الكردي القابل للتطور خلال عام من إبرام معاهدة فرساي لتقرير مصيره والتحول لدولة كردية مستقلة.

كرد فعل على هذا، قام الأكراد في تركيا بسبع عشرة ثورة ابتدأت بثورة سعيد بيران ١٩٢٥ وانتهت بثورة سيد رضا ١٩٣٨ أنتجت كل واحدة منها تهجير قسري للأكراد من شمال خط "قطار الشرق السريع" في تركيا (شكل لاحقاً الحدود التركية السورية) لجنوبه في منطقة الجزيرة العليا (الحسكة حالياً)، بينما توجهت الهجرات الأرمنية القسرية (١٥٧ الف مهاجر) للمدن السورية الداخلية.

نتج عن هذه الهجرات ارتفاع عدد السكان الحضر في الجزيرة السورية من بضعة آلاف إلى ١٠٥ آلاف عام ١٩٣٧ ليرتفع إلى ١٤٦ الف عام ١٩٤٣ بمعدل 5,6 ٪ سنويا ليشكل أكثر من ثلاثة أضعاف معدل التزايد السكاني العام بنفس الفترة نتيجة سياسة الانتداب الفرنسي الممنهجة بمنح الجنسية السورية للأكراد المهاجرين لسورية في الوقت الذي لم تكترث العشائر العربية بموضوع الجنسية لطبيعتها البدوية.

بعد أن تم إقرار عهد دستوري وطني في سورية عام ١٩٤٣ واستلام مصلحة النفوس من المفوضية الفرنسية، اتبعت الحكومة السورية سياسة تقييدية لموضوع الجنسية للمهاجرين الأكراد وفي الفترة الانتقالية من الاستقلال للجلاء (١٩٤٣-١٩٤٦) انخفض المعدل التسجيلي للسكان في الجزيرة ليبلغ ١٪ فقط.

لكن معدل النمو السكاني (هجرة الاكراد لسورية بدون منحهم الجنسية) كان مستمر وكبير نتيجة لأسباب اقتصادية زراعية نهضوية، حيث كان النشاط الاقتصادي السوري ( من الجلاء وحتى تأميم عبد الناصر) يعاني من نقص اليد العاملة وخصوصاً الزراعية (الطلب العالمي للقطن السوري بعد الحرب الكورية) وكان التحالف الاستثماري الضخم لشركة "أصفر ونجار" مع زعماء العشائر الكردية (الملية) مثال على تشجيع هجرة الأكراد من الجحيم التركي للولايات الجنوبية إلى الفردوس السوري. و يستدل على هذا بالفترة الزمنية التي استغرقها تضاعف عدد السكان في الجزيرة، حيث تضاعف العدد خلال ١٣عام (١٩٤٧-١٩٦٣) في حين احتاج لأربعين عام ليتضاعف من قبل (١٩٠٥-١٩٤٧)، وبما أن منح الجنسية أصبح صعب المنال فقد لجأ العديد من الأكراد للهويات المزورة بدءاً من عام ١٩٤٥ ومن هنا بدأت مشكلة اختلاف الأرقام بين ماهو على أرض الواقع وبين ماهو مسجل في السجلات الرسمية وهنا بدأ التمييز بين مصطلحي "سكان سورية" و"السكان السوريين".

استمرت الهجرة الكردية لسورية بعد الوحدة مع مصر وتطبيق سياسة الإصلاح الزراعي، حيث تم توزيع الأراضي بدون تمييز قومي بين الفلاحين حتى لو لم يكونوا من أصحاب الجنسية السورية وكانت تسجل في محاضر الضبط بوصفهم "مكتومين" بشهادة المختار وشاهدين. بعد الإنفصال، تم التراجع عن قانون الاصلاح واستبدل بسياسة إخراج الفلاحين المنتفعين من الاراضي مما أدى لمواجهات مسلحة دامية (لأول مرة) بين حكومة الدواليبي وبين أكراد (نظام الدين) المهاجرين من تركيا والحاصلين على الهوية السورية بنفس الوقت، مما اضطر حكومة الدواليبي للتراجع عن قرارها قبل أن تعود حكومة بشير العظمة التقدمية لتطبيق قانون الإصلاح الزراعي والتوسع به.

قامت حكومة خالد العظم عام ١٩٦٢ بعملية إحصاء استثنائي لسكان الجزيرة (الحسكة) واعتبر "السوري" هو كل من هو مسجل في قيود الأحوال المدنية قبل عام ١٩٤٥ باعتبار أنه ابتداءاً من هذا العام تدفقت موجة جديدة من الهجرات وحاز الأكراد الأتراك على هويات مزورة بطرق مختلفة، واعتبر المهاجرون الكرد قبل عام ١٩٤٥ سوريين بشكل رسمي، وأشرف على عملية الاحصاء "سعيد السيد" محافظ الحسكة وعراب مشروع إصلاح الجزيرة (شقيق جلال السيد أحد مؤسسي حزب البعث) والذي كان يرى أن قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره عبد الناصر كان "لسلب أراضي العرب" وإعطاءها للمهاجرين، وسُجل في يوم واحد ٨٥ ألف مقيم بصفة "أجانب أتراك" والبالغ ٢٨٪ من تعداد سكان المحافظة وفق التعداد العلمي الذي تم في سورية عام ١٩٦٠، وكان من نتائج هذا الإحصاء تجريد الجنسية السورية لشخصيات وطنية سورية مثل عبد الباقي نظام الدين أحد ممثلي الكتلة الوطنية وأخوه اللواء توفيق نظام الدين رئيس هيئة الأركان السورية وغيرهم، مما أفقد عملية الاحصاء أي مصداقية. تلا عملية الإحصاء وضع نقاط مشروع إصلاح منطقة الجزيرة تحت عنوان "هجرة الأكراد الأتراك لسورية خطر كبير على سلامة سورية العربية" وأن الإصلاح الزراعي لا يعني تقديم الأراضي مجاناً للمهاجرين وإنما يتم لأبناء البلد فقط.

بعد انقلاب البعث في آذار ١٩٦٣، اعتمد حزب البعث دراسة أعدها "محمد طلب هلال" رئيس الشعبة السياسية في الحسكة والتي كانت استكمالا لمشروع اصلاح الجزيرة الذي بدأت به حكومة خالد العظم وسميت بمشروع "الحزام العربي" الهادف لإعادة التوزيع الديمغرافي بتهجير الأكراد للداخل وتجهيلهم وخنقهم اقتصاديا وإسكان عرب شمّر في المناطق الحدودية وإنشاء مزارع عربية مسلحة وعدم السماح لمن لا يتكلم العربية بأن ينتخب أو يترشح لأي منصب. هذا المشروع جعل من "هلال" محافظا للحسكة عام ١٩٦٥ إلا إن تطبيق المشروع اقتصر على إعادة توطين عشرين ألف عائلة عربية غمرت مياه سد الفرات أراضيهم (إحدى كوارث سد الفرات العظيم!) رفض أغلبهم التوجه للحسكة واتجه بعضهم شرقاً باتجاه البادية وآخرين باتجاه الرقة وبلغ عدد العائلات التي سكنت منطقة الحزام العربي أربعة آلاف عائلة فقط لا يزيد عدد أفرادهم عن ٢٥ ألف شخص وضعوا في مناطق غير مأهولة من قبل (قرية عربية بين قريتين او ثلاث كردية) فلم يؤثر ذلك على التركيبة العرقية الديموغرافية للجزيرة العربية، إلا أن كلا الطرفين (القوميين العرب والأكراد) أثاروا خطابات قومية وضجة إعلامية في كل المناسبات مستغلين اسم الحزام العربي لأجندات سياسية، ولكن ما تم فعلياً أبعد ما يكون عما فعلته السياسات الأتاتوركية مثلا لصهر الأكراد والضغط عليهم.

رعت المفوضية الفرنسية لقاءات جمعت قيادات الأكراد ممن يقودون ثورات ملتهبة في جبال آغري (أعلى جبال تركيا) بحزب الطاشناق القومي الأرمني ونتج عنه تأسيس جمعية "خويبون" في لبنان عام ١٩٢٧ التي تهدف لتحرير كردستان تركيا واتخذت من الجزيرة قاعدة قيادية خلفية لنضالها القومي، لتكون أداة فرنسية لتحقيق بعض المكتسبات السياسية في تركيا من جهة، ولضرب حركات التحرر الوطني في سورية من جهة ثانية. وبعد عشر سنوات، اندلعت الحركات الانفصالية في كل من الجزيرة وجبل الدروز وجبال العلويين وكان لضباط الاستخبارات الفرنسيين دور كبير بها، إلا أن جناح قدري جميل باشا (أسقط حفيده قدري جميل كنية الباشا لأنه شيوعي ولا يتناسب تاريخ جده الإقطاعي مع شيوعيته!) في جمعية خويبون عارض جناح آل بدرخان بموضوع فصل الجزيرة عن سورية ووقف المثقفون وشرائح واسعة أرثوذكسية وسريانية وكردية بالتنسيق مع قادة الكتلة الوطنية في دمشق ضد مشروع تشكيل هذا الكيان وضد تحوير الهدف من كردستان تركيا الى سورية لتنحل الجمعية في سنوات الحرب العالمية (١٩٣٩-١٩٤٥).

يقابل الأكراد المهجّرين قسريا من شمال خط الحديد في تركيا لجنوبه في سورية في عشرينيات القرن الماضي، أكراد الداخل (أكراد الشام) المتجذرين في المجتمع السوري والمتكاملين معه بل والمندمجين معه (بالمعنى التكاملي وليس الدمجي) أحيانا كثيرة، و يمثل القرن الحادي عشر ميلادي نقطة بدء الانتشار الكردي (الأيوبي) في المدن الداخلية والسواحل الشامية ولعل قلعة الحصن وجبل الأكراد في عفرين وحي الأكراد في دمشق أمثلة على قدم وأصالة الأكراد في المجتمع السوري، حيث كان حي الأكراد مركزاً لللاجئين الأكراد على مدى قرون، و يبيّن إحصاء عام ١٩٢٢ (قبل بدأ الهجرات الكردية الكبيرة) التمايز في حي الأكراد بين عائلات الأكراد الأيوبيين التاريخيين وبين عائلات العشائر الكردية التي تتركز جذورها في أطراف سورية، وهذا التباين يفسر وجود عائلات كردية في الشام لا تتكلم اللغة الكردية والعكس. كان أكراد دمشق مترابطين بغيرهم من الأكراد بصلاة المصاهرة والتجارة كالعائلة الأيبشية التي عملت بتجارة الخيول بين دمشق وماردين، وشكل أكراد الشام (أكراد الداخل) جزءاً لا يتجزأ من المنظومة البشرية - الاقتصادية - الاجتماعية - السياسية لسورية وكان لهم دور هام في رد عدوان غورو على دمشق (يوسف العظمة) و تفجير ثورة الشمال ضد الفرنسيين (ابراهيم هنانو) ودفع قادتهم ثمنا باهظا ك "علي زلفو آغا" الذي حكم عليه الفرنسيون بالاعدام بعد احتلال دمشق، وشاركوا كغيرهم من السوريين في جيش الإنقاذ وشكلوا أحد أفواج التطوع في فلسطين، حتى أنهم قادوا عمليات الانقلاب وشغلوا منصب الرئاسة كحسني الزعيم (صاحب أول انقلاب والذي أقر الدستور السوري الأول في عهده سنة ١٩٤٩ وتم ذكر الجمهورية العربية السورية فيه) وأديب الشيشكلي وفوزي سلو. استمرت محاولات اندماج الأكراد في المجتمع السوري، وخصص ركن كردي في راديو صوت العرب، و شجع جميع مكونات المجتمع السوري النخب الشبابية الكردية لتأسيس تنظيمها القومي الأول عام ١٩٥٧ و التي تفرعت منها لاحقاً جميع الاحزاب الكردية السورية.

لا يفوتنا هنا التذكير بانتفاضة القامشلي عام 2004 حيث بدأت بمشاحنات أعقبت مباراة كرة القدم لكن النظام استخدم فيها الرصاص الحي وسقط قتلى وجرحى فانتفض الشارع الكردي ضده ومزقت صور بشار وأسقط تمثال حافظ في عامودا وامتدت الاحتجاجات إلى مناطق تقطنها أكثرية كردية في الحكسة وعفرين وحلب ودمشق، قمعت الانتفاضة سريعاً لكنها ساهمت في تصديع جدار الخوف الذي بناه النظام في نفوس السوريين عبر عقود طويلة.

 

 

موقف التيار

الأكراد هم مواطنون سوريون، شركاء في ثورة العز والكرامة، لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات التي يقرها الدستور الدائم، ولهم الحرية في تشكيل الأحزاب والتجمعات السياسية وفقاً لقانون الأحزاب الذي ستصدره هيئة الحكم الانتقالي والذي ينبغي له أن يضمن لكافة المكونات السورية صيانة حقوقهم الثقافية واللغوية والتعليمية. كما ينبغي تصحيح ومراجعة كافة الاحصائيات والمسوحات السكانية والقرارات الإدارية المتعلقة بالكرد وذلك بناءً على لجنة حقوقية ومسحية يقرها البرلمان ويرفع توصياتها للحكومة لوضعها قيد التنفيذ.

لا يشكل ظلم الطغمة الحاكمة (نظام الاجرام) وأدواتها (كحزب البعث والأجهزة الأمنية) دافعاً لبلورة مشاريع عرقية أو دينية مهددة للنسيج السوري، لأنه ظلماً عاماً طالت قيوده كافة شرائح المجتمع السوري من جهة، ولأن أدواته وإن اكتست بشكل عروبي فهي أدوات تدعي العروبة والوطنية وهي بعيدة كل البعد عن الثقافة والحضارة العربية من جهة أخرى.

الناظم الرئيسي في تحديد شكل الدولة ومبادئ توزيع السلطات والصلاحيات هو الدستور الناجم عن عملية حوار وطني شامل وبعد البدء بعملية انتقال سياسي، وبالتالي فإن أي تفاهمات أمنية يقيمها نظام الإجرام مع سلطات الأمر الواقع هي اتفاقات غير ملزمة وغير عابرة للتفاهم السياسي الوطني.

 

المصادر:

  1. مسألة أكراد سورية - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
  2. التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية - محمد جمال باروت
  3. من هي المعارضة الكردية السورية : تطور الأحزاب الكردية - كرد ووتش - تقرير ٨