المحافظة الجديدة عند تيار سورية الجديدة

تاريخ النشر - 2022-12-18

المحافظة الجديدة

نعتبر أنفسنا في تيار سورية الجديدة تياراً سياسياً محافظاً. وهي محافظة "جديدة" تختلف عن المترسّب في الأذهان؛ فالمحافظة عندنا ليست معارضة التغيير والعودة إلى زمنٍ ماضٍ، وليست فرض إيديولوجيا ضيقة على الناس، بل هي اعتماد الوسائل الحديثة في الإدارة والحكم مع استصحاب أحسن خصال المجتمع المتجذّرة فيه بعيداً عن أي انغلاق قومي، تلك الخصال النابعة من هوية المجتمع السوري التي يشكل الإسلام والعروبة مكونيها الأساسيين؛ الإسلام بوصفه ديناً عند أكثرية السوريين وحضارة وتاريخاً وثقافة عند غير المسلمين منهم، والعروبة بوصفها لساناً وذوقاً وثقافة يتكلم بها ويبدع بها العرب وغير العرب من السوريين. إن رؤيتنا تنطلق من هوية المجتمع السوري لكننا نسلك لتطبيقها كل الطرق العملية الرشيقة التي تتعلم الدروس وتجري التعديلات اللازمة باستمرار
نعتقد في تيار سورية الجديدة أن الهوية السورية المحافظة تحمي المجتمع السوري من دعاوى النيو ليبرالية المعاصرة التي تعتدي على الإنسان والطبيعة وتشوه الفطرة الإنسانية السليمة، ونعتقد أن هويتنا اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى بفعل القوى التي تحتل سورية وتحاول تغيير بنيتها الديمغرافية والثقافية
إن "المحافظة الجديدة" التي نعنيها ترسم ملامحها ثلاثُ سمات أساسية هي: الاكتفاء بحكومة الحدّ الأدنى، استثمارالأطرالأهلية، وتشجيع المبادرات الحرّة

 

الاكتفاء بحكومة الحد الأدنى
نعتقد في تيار سورية الجديدة أن اضطلاع الحكومة بالصغير والكبير من الأمور يتطلّب بيروقراطية واسعة ما تلبث أن تعجز عن الوفاء بالمهمّات التي أُنشئت من أجلها وتصبح جهازاً متضخّماً يستهلك كثيراً من موارد الدولة ويحرم المجتمع من طاقاتٍ يمكن أن تُستثمر في أصعدة أخرى
إن التلوّن الشديد للثقافة السورية والتنوّع في مكوّنات الشعب يُعجز أي بيروقراطية عن التعامل السليم معهما ويقتضي حكومة تقتصر صلاحياتها على حيّز الضروري من وظائف الدولة. وإن التجارب المعاصرة تعلّمنا أن توسّع الأجهزة الحكومية يحوّل مهمّتها من تنظيم الشأن العام، الذي هو مبرر وجودها، إلى خدمة نفسها وأغراضها الذاتية
نرى في تيار سورية الجديدة أن حكومة الحدّ الأدنى تقتضي درجة وافية من اللامركزية الإدارية، حيث تتمتّع أجهزة الإدارة في الحيز المحلي الصغير بقدرتها على تحسّس حاجات الشعب، دون محاولة فرض قالبٍ واحدٍ على جميع الوحدات. وفي هذه الحالة يضطلع الناس أنفسهم بتنظيم كثير من أوجه الحياة التي هم أخبر بها بحكم معاناتهم المباشرة لها

 

 استثمارالأطرالأهلية
نعتقد في تيار سورية الجديدة أن المجتمع هو الأصل، وأنه لا يعبّر عن المجتمع مثل التشكيلات الأهلية الطبيعية وشبه العفوية التي هي عالمية بطبيعتها، سواء الأسرة أو الحي أو النشاطات الخيرية. إن هذه المؤسسات قد رافقت الوجود الإنساني، فلا يُعقل إهمالها ولا استبدالها، وإن محاولات شطبها من الحياة يتسبّب في اختلال مسيرة المجتمع وهي محاولات تفشل في معظم الأحيان لأنها أطر فطرية تعود فتتشكّل تشكّلاً ذاتياً
نرى في تيار سورية الجديدة أن الأطر الأهلية تقوم بثلاثة وظائف حيوية في المجتمع. أولاً: تحرس القيم وتحتضن الأعراف، التي تنبع من الدين غالباً، وبذلك تساهم في استقرار المجتمع وتماسكه، ثانياً: تقوم بخدمات محلية جزئية بشكل سلسل بأقل الكلف وبأدق فهمٍ لواقع الحال، وبذلك تُرسّخ الحرّيات من خلال إبعاد المؤسسات الحكومية عن التدخّل في حياة الناس مما لا تُحسنه أصلاً، ثالثاً: تمثّل مصدر الدافعية والعمل للصالح العام، من خلال الموازنة بين مطلب الحقوق ومطلب القيام بالواجبات

 

تشجيع المبادرات الحرة
نعتقد في تيار سورية الجديدة أن المبادرات الحرّة من قِبل الشعب قادرة على الوفاء بكثير من حاجات المجتمع. نستند في اعتقادنا هذا إلى أن موقع سورية المتوسط بين القارات، وكونها مهد الحضارات والأرض التي اصطدمت فيها القوى الكبيرة المجاورة، قد رسّخ في ثقافة السوريين ثلاثة عناصر: التأقلم السريع، والمبادرة الذاتية، ولقاء الآخر في منتصف الطريق
إن الناظر إلى المجتمع السوري قبل أن يُختطف من إيديولوجيات القمع لَيعجب من بلدٍ محدود الموارد استطاع أهله أن يشيّدوا حياةً رغيدة نسبياً تحفل بالإبداعات الصغيرة وتزدان بكل جميل حتى أصبحت محلّ التقدير والإعجاب من الجيران الأقربين والزوّار السائحين. هذا هو أغلى رأسمال يملكه السوري
نرى في تيار سورية الجديدة أن اعتماد نموذج السوق المفتوحة هو المناسب للحال السوري، لأن قوى السوق تحدّ من احتكار الحكومة المركزية للسلطات، لكننا نعتقد أن السوق ليس مطلوباً لنفسه وإنما بقدر ما يلتزم بحاجات الناس. والنموذج الأمثل هو ذلك الذي يشجّع على المشاركة الواسعة للناس في العملية الاستثمارية، وفي استثمار العوائد في المجتمعات المحلية، ويجانب الاحتكار ويُبعد شبح الفوارق الشاسعة
نحن نعتقد أن مبدأ تشجيع المبادرات الحرة لا يقتصر على الناحية الاقتصادية وحسب، وإنما يتجلّى في كل أوجه الحياة، فالمبادرات الحرّة إذا استُثمرت في مواجهة التحديات المتعلقة بالإدارة والتلاحم الاجتماعي تخرج حلولاً مناسبة تفي بالمطلوب دون عنتٍ وبكلفٍ معقولة
وأخيراً ينبغي أن ننبّه أن تشجيع المبادرات الحرّة لا يعني بحال إطلاق اليد للشركات الاقتصادية الكبرى وسنّ القوانين المتحيّزة لصالح هذه الشركات، فهذا أكثر ما يمنع إثمار المبادرات الحرّة التي هي بطبيعتها صغيرة الحجم في معظم الأحيان