موقف تيار سورية الجديدة من الإرهاب

تاريخ النشر - 2022-12-17

موقف تيار سورية الجديدة من الإرهاب

مقدمة

يمكن تعريف الإرهاب اصطلاحاً بأنه "الاستخدام غير المشروع للعنف"، ولكن المجتمع الدولي لم يتمكن من الاتفاق على تعريف واحد ومحدد لمفهوم الإرهاب، نظراً لاختلاف المعايير بين الدول، وتباين الرؤى حولها، فمصطلح العنف واستخدام القوة مفهوم نسبي الدلالة له وظيفته واستخداماته المحددة، وظروفه وبيئته، وهو ليس مجرد لفظ يُعد بذاته مستحسناً أو مستقبحاً. بشكل مشابه لا يوجد اتفاق بين الخبراء والأكاديميين في دراسات الإرهاب على تعريف واحد للمصطلح، بل ثمة خلاف واضح حول ما إن كان المصطلح ينطبق حصراً على الجهات غير الدولتية، أو ما إذا كان يشمل إرهاب الجهات الدولتية أو الإرهاب المدعوم منها. بل يبدو جلياً أن مصطلح الإرهاب تركز حصرآً على أعداء القوى الغربية وحلفائها.

تنطلق هذه الورقة من أهمية تشكيل رؤية سورية وطنية لمفهوم الإرهاب تميزه عن حق السوريين في المقاومة المشروعة والتصدي للعدوان وتحرير الأرض وتقرير المصير ونيل الاستقلال بكافة الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح. كما تنطلق من أهمية التأكيد على الالتزام بالمبادئ الوطنية التي تدعو لاحترام حقوق الإنسان وإرساء أسس العدالة والمساواة وإغلاق الباب أمام الأيديولوجيات التي تحمل نزعات التطرف وتدمر حاضر المجتمعات ومستقبلها.

 

يعرف التيار الإرهاب

بأنه استخدام العنف أو التهديد باستخدام العنف ببواعث لا تقرها قيم ومعايير المجتمع والأمة بهدف بث الرعب بين الناس وتعريض حياتهم للخطر، سواءً قامت به دولة أم مجموعة أم فرد، لتحقيق مصالحها غير المشروعة من قبل الأمة والمجتمع.

 

إشكاليات مكافحة الإرهاب

يكمن الإشكال الأول في مصطلح "مكافحة الإرهاب" المتعارف عليه في أن الدول لطالما أسبغت صفة "إرهابي" على خصومها لنزع الشرعية عنهم. ويبدو هذا الإشكال أكبر في العالمين العربي والإسلامي في حقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول، مع استخدام "الحرب على الإرهاب" لتبرير اعتماد سياسات إشكالية وغير ديمقراطية وعنفية وإجرامية إلى حد كبير، وخاصة من قبل حكومات الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان كان لهما السبق في إضفاء الشرعية على فرض القيود على الحريات المدنية، وتبرير التعذيب أو "وسائل الاستجواب المعزز"، والتجسس على المجتمعات المسلمة، تحت مبرر مكافحة الإرهاب. وقد أعطى ذلك الشرعية  للدول كافة على حد سواء لاستخدام هذه الوسائل، لدرجة أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان استحدثت في العام ٢٠٠٥ منصب المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب. وقد قامت العديد من الحكومات، ومنها نظام الأسد، بعسكرة قوانين مكافحة الإرهاب، وخاصة في أعقاب موجات الربيع العربي، من خلال استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان عبر إدراج عملهم المشروع في خانة الإرهاب وتصوير منظماتهم وجهودهم وحتى الأشخاص أنفسهم على أنهم مصدر أذى وضرر في إطار نزع الشرعية عن كل من يعارض سياسات هذه الحكومات أو يقاومها. وبذلك أضحت مكافحة الإرهاب سلاحاً سياسياً وإيديولوجياً للحفاظ  على السلطة.

أما الإشكال الثاني، فهو أن "مكافحة الإرهاب" لم تركز يوماً على معالجة الأسباب الدافعة للإرهاب. على الرغم من أن جذور صعود تنظيم داعش وعودة ظهور تنظيم القاعدة معقدة ومتنوعة، إلا أن الدافع الأساسي لانضمام من التحق بالتنظيمين من السوريين هو أشكال الظلم والاستبداد وما لحقهم من اضطرابات وعدم استقرار في أنحاء العالم الإسلامي. وقد تعاظمت قوة كلا التنظيمين، ليس لأن إيديولوجيتهما تلهم شريحة واسعة، بل طرداً مع انهيار  حوامل المجتمع من خلال توفير التنظيمين للحماية أو القوة النارية ضد المستبدين مع تقاعس المجتمع الدولي عن توفير هذه الحماية، وحين وفر التنظيمان شكلاً من أشكال النظام والقانون حيث عمت الفوضى، أو عن طريق ملء فراغات السلطة وإجبار المجتمعات على الإذعان. أما المسبب الآخر فيتمثل بشكل أساسي بعنف السلطات القائمة على الفرد والمجتمع والأمة. فحين تغلق حكومات الدول وأنظمتها كل سبل التغيير الممكنة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتستمر بقمعها للحريات وسلبها لموارد الشعوب وحريتهم وكرامتهم، ومن ثم تزيد على ذلك كله بتجاوز حرمات الأمة والمجتمع واعتقال الرجال والنساء والأطفال وتعذيبهم واغتصابهم وقتلهم، يغدو الإرهاب هو السبيل الطبيعي الوحيد للأفراد والمجموعات كآخر الأدوات المتاحة لتغيير الواقع غير الإنساني المفروض عليهم والانتقام ممن سحق إنسانيتهم وحرمهم ما أحل الله لهم كبشر على هذه الأرض.

وقد مارس نظام الأسد في سوريا منذ استيلائه على الحكم عام ١٩٧٠ أعمالاً قمعية وحشية تصل لدرجة الإرهاب في وصفها, كالاعتقالات القسرية القتل الممنهج وملاحقة المعارضين، مما يعتبر من الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد اتبع نظام الأسد هذه الأساليب بهدف الترهيب والسيطرة على المجتمع، وأنشأ فرعاً للتحقيق في الجرائم التي أسماها (جرائم الإرهاب) ليصدر بموجبها أحكاماً تعسفية بحق معارضيه من أبناء الشعب السوري على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية. وهذه النقطة تعد الأهم في الموضوع، من حيث احتكار النظام الحاكم متمثلاً بشخصيات بعينها للسلطة الأمنية، ومن ثم ممارسة تلك السلطة لأقصى درجات العنف الانتقامي بحق المعارضين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وليس وفق تعريف ومعايير المجتمع الدولي.

عمل النظام على الاستثمار في ملف الإرهاب منذ اندلاع ثورة آذار ٢٠١١، من خلال ادعائه بمحاربته، رغم إنه متهم بعدد من الحوادث الإرهابية حول العالم. كتفجير طائرة الركاب الأمريكية المتجهة إلى لندن في عام ١٩٨٨ والمعروفة بحادثة "لوكربي"، ومقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق "رفيق الحريري" عام ٢٠٠٥، وعملية الأربعاء الأسود في العاصمة الاردنية "عمان" عام ٢٠٠٥، ناهيك عن الأعمال الإرهابية التي مورست وما تزال بحق الشعب السوري، ولعل الهجمات التي شنها بالسلاح الكيماوي والأسلحة المحرمة دولياً ثبتت عليه كجزء من النهج الإرهابي للنظام.

أما الإشكال الثالث فيكمن في استخدام سياسة العنف المفرط أو "الإرهاب المضاد" في مكافحة الإرهاب، والتي تقتل المدنيين وتنفر المجتمعات وتنشر الدمار دون وجود أي خطط لمنع الأعمال الانتقامية وتحقيق الاستقرار في المدن المحررة وإعادة بنائها وذلك بسبب تخفيف قواعد الرقابة المصممة لحماية المدنيين أثناء الحرب.

 

موقف التيارمن الإرهاب

إن معالجة ظاهرة الإرهاب يبدأ من معالجة الجذور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المسببة لها من خلال:

  • التسريع في إنجاز التغيير السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ من خلال إنهاء سيطرة الحكم الاستبدادي الشمولي لنظام الأسد وممارساته من انتهاكات لحقوق السوريين وقمع حرياتهم، وإحلال نظام يضمن حرية الرأي والمشاركة في القرار الوطني لجميع السوريين.
  • عدم مصادرة قرار الأكثرية تحت ذريعة حماية الأقليات، مع ضمان حقوق المواطنة والممارسة السياسية لجميع مكونات الشعب السوري بغض النظر عن العرق والدين والجنس.
  • تحسين الأوضاع الاقتصادية للأفراد من خلال إنهاء عدم المساواة في توزيع الثروة، والفوارق الاقتصادية الشاسعة ما بين الأفراد والمجتمعات والمناطق للارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد والمجتمعات من خلال توفير فرص العمل وتحسين مستويات الدخل ومكافحة البطالة.
  • إيقاف العمل بالتدابير المفرطة التي اتخذت من "مكافحة الإرهاب" شعاراً لها من قبيل توسيع سلطات أجهزة الشرطة والاستخبارات دون ضمانات قضائية كافية، والحظر الشامل للسفر أو تعليق جوازات السفر أو بطاقات الهوية دون موافقة قضائية مسبقة، والسجن الجنائي لمن لم تشمل أفعالهم التدخل المباشر في العنف المسلح، والسجن والملاحقة القضائية للأطفال، والمحاكم الخاصة بالإرهاب التي لا تضمن حق المرافعة، واستجواب الشهود، واستعراض الأدلة.